دروب العشق بقلم ندى محمود

موقع أيام نيوز


معاك اصلي في مسجد الستات
طيب يلا روحي اتوضي والبسي بسرعة عشان الحق الخطبة قبل ما تخلص
أماءت فورا بسعادة واندفعت نحو غرفتها لتتوضأ وترتدي ملابسها وبعد عشر دقائق بالضبط خرجت له وانصرفا واستغرق الطريق خمس دقائق حتى وصلا إلى أحد المساجد الكبيرة فذهبت هي للجزء الخاص بالنساء وهو ذهب للرجال بعد أن أخبرها بأنه سينتظرها بعد الصلاة أمام السيارة وبعد انتهاء الصلاة خرجت واتجهت نحو سيارته فوجدته كما أخبرها وعندما وقعت عيناه عليها فتح باب السيارة واستقل بمقعده

اتخذت هي مقعدها بجواره ثم رفعت النقاب عن وجهها لتتنفس
بعض الهواء النقى وتهتف باسمة 
تقبل الله
أجابها بخفوت 
منا ومنكم
إن شاء الله
ثم انطلق بالسيارة يخترق بها الطرقات وبعد مرور دقيقة هتفت هي بتردد ملحوظ وحياء 
إيه رأيك نتغدى برا النهردا يازين نفسي أخرج جدا من وقت لما اخدتني في اليخت قبل الفرح مخرجتش تاني
كان يثبت نظره على الطريق ولم ينظر لها بتاتا وفقط اكتفى بقوله الجاف والحازم 
في يوم تاني إن شاء الله ياملاذ مش النهردا
زمت شفتيها بيأس وخنق من نبرته القاسېة وأنه لم يكلف نفسه لينظر لها فاشاحت بوجهها للجانب الآخر تتابع الطريق من النافذة فهي لم تستاء من رفضه للذهاب بل استاءت من طريقته وعنده الذي باتت لا تعرف إلى متى سيستمر وقد رغبت بالذهاب فقط من أجل أن تحظى بمزيد من الوقت معه وتحاول من خلاله إذابة بعض الثلج المتراكم على قلبه 
لاحظ
هو ضيقها وحزنها من رفضه فتنفس الصعداء بعدم حيلة ولم يرد أن يكسر برغبتها ونفسها وكان رد فعله الطبيعي هو أنه قال 
عايزة تروحي فين 
تهللت أساريرها في لمح البصر وزين وجهها بابتسامة جذابة لتجيبه بحماس جلى 
أي مكان ودينا مكان على زوقك إنت !
رمقها بنظرة مطولة صامتا ثم أشاح بنظره وعاد ليثبته على الطريق وهو يتخذ بالسيارة طريق لمكان سيقضوا فيه وجبة الغذاء أو بالأحرى باقية اليوم ! 
فتحت باب السيارة ونزلت وعيناها معلقة على ذلك المنزل الذي أشبه بقصر قي ضخامته واتساعه ولكنه منزل ذو طراز قديم ويبدو إن الزمن قد ترك آثاره عليه حيث لونه بهت ومن ينظر له من الخارج يظنه مسكون بالأشباح وبينما هي تتأمل جماله الكلاسيكي رأته يتجه ناحية الباب فلحقت به مسرعة وفتح هو الباب بالمفتاح ثم دخل أولا ومن بعده هي كان المنزل من الداخل أكثر فخامة وجمالا حوائطه سليمة تماما من أي خدش ويوجد نجفة في الأعلى ضخمة ولكنها نظيفة كأنها تنظف كل يوم ! والأثاث مغطى بقماش أبيض اللون فاتجهت نحوه ورفعت القماش لتنكشف أمامها تحفة الأثاث الذي لا يبدو أبدا أنه صناعة مصرية فسمعت صوته وهو يهتف بهدوء 
ده قصر عيلة العمايري البيت ده احنا عشنا فيه طفولتنا كلها ولما نقلنا لبيتنا اللي عايشين فيه دلوقتي أنا كان عندي عشرين سنة كنا عايشين مع جدي الله يرحمه وجدتي اللي هي مسافرة دلوقتي في المانيا كنا كلنا في دلع وعيشة ملوكي اللي بنطلبه بيجيلنا في لحظتها من غير تعب وكان جدي مبيرفضش طلب لحد فينا سواء احنا أو ولاد عمي طاهر اللي هما علاء ويسر والدلع ده تسبب في مشاكل كتير علينا وظهرت أثاره عليا وعلى حسن بس تقدري تقولي إن أنا ربنا هداني وحسن فضل طايش زي ماهو وبابا بعد ماحس إن مينفعش يعيش هنا ولازم يستقر لوحده هو وأولاده في بيت عشان يقدر يتحكم فيهم بعد ما شاف اللي حصلي وبقى شبه فاقد السيطرة على حسن رغم إنه أصغر مني بأربع سنين اخدنا واشترى بيت لينا وعشنا وحدنا والكلام ده طبعا بعد ما جدى اتوفى وجدتي اضايقت جدا إن ازاي محمد يسيب بيت ابوه وبيتهمهم إنهم السبب في اللي حصل ليا لأنها بتحبني جدا وبتعزني أوي ولما عرض عليها بابا وحاول يقنعها إنها تاجي تعيش معانا رفضت وقالت إنها هترجع المانيا تعيش مع عمي اللي هو اتوفى بعد جدى بسنتين وكان معاه بنت عندها 18 سنة بتدرس هناك فجدتي فضلت معاها لغاية ما كملت تعليمها وبعدها اشتغلت ولغاية الآن جدتي عندها ومش بتاجلينا هي وبنت عمي دي غير زيارات صغيرة وبيمشوا تاني
اقتربت منه ووقفت أمامه وركزت نظرها عليه هاتفة بترقب لإجابته بريبة شديد 
ربنا هداك !!! وبعد اللي حصلك !! ممكن أعرف إيه اللي حصل معاك !
أجابها بخشونة وهو يتجه ناحية الدرج 
الأفضل إنك متسأليش لإن الإجابة مش هتعجبك وبعدين أنا جايبك هنا عشان افرجك على البيت واهو نتغدى في مكان مختلف زي ما كنتي حابة مش نحكي في القديم
لم تعلق كثيرا وقررت أنها ستحاول أن تعرف فيما بعد ما يخفيه عنها واتبعته شبه راكضة حيث وجدته صعد لآخر الدرج ثم اتجه نحو الغرف وفتح واحدة واحدة يريها إياهم وأحدهم كانت لكرم والأخرى لحسن وهذه لأبوه وأمه وتلك الغرفة تخص جدي وجدتي حتى وصل أخيرا عند غرفته وفتح الباب فتسبقه هي بالدخول وتتطلع في أجزاء الغرفة التي كانت عبارة عن فراش عريض يتسع لثلاث أشخاص وخزانة متوسطة من اللون الأبيض مثل لون الحوائط وحمام داخلي لونه بنى اللون مع لمعة مذهلة أما هو فقد استدعت ذاكرته كل ما مر به داخل هذه الغرفة التي شهدت على حپسه بين حوائطها الأربعة لشهور دون أن يدخل له سوى أبيه وأمه
وكرم بقى لشهورا حبيسا غرفته لا يري الشارع عندما اكتشف أمره
وأنه
كان يتعاطى مواد فحاول أبويه أن يردعاه ويعالجاه عن طريق منعه من الخروج حتى لا يلتقى بأصدقاء السوء الذين افسدوه ولكن الأمر لم يجدي نفعا حيث كانت حالته تسوء كلما يمر عليه الوقت وكان يخرج ليلا متسللا من الشرفة دون أن يشعر به أحد ويعود قبل استيقاظهم حتى جاء اليوم المشؤوم الذي فقد فيه صديقه بسببه هو فقرر أن يضع الحد لما هو فيه وطلب من أبيه أن يدخله مصحة ليعالج كما يجب أن يتم وبالفعل عاني أشد سنة مرت عليه في حياته 
نظرت عيناه على جانب الفراش ولاحظ الكسر البسيط فيه لتعصف بذهنه ذكرى أخرى تعود ليوم معرفة أبيه وأمه بأفعاله فتلقى الضړب العڼيف من أبيه والتوبيخ والإهانة وكانت أمه تحاول منع أبيه عنه الذي كان كجمرة النيران المتوهجة وتدخل كرم محاولا أيضا تهدئة
الأمر ونجح في تهدئة أبيه وأخرجه وتركه هو مع أمه تحاول مواساته وتلومه
بعتاب وبكاء على فعلته 
اخترقت فقاعة ذكرياته المؤلمة بصوتها وهي تقول بإعجاب 
اوضتك جميلة أوي
أحس بأنه سيختنق أن بقى للحظة أخرى داخل هذه الغرفة فهتف بثبات مزيف 
طيب كفاية بقى ويلا تعالي عشان الأكل على وصول
ولم ينتظر إجابتها حيث اندفع للخارج يتنفس بعض الهواء النقى عن هواء هذه الغرفة المخنق أما هي فتلفتت حولها پخوف من ذلك المكان المريب ولحقت به مسرعة لتجده قد وصل للأسفل ورفع أحد الأقمشة عن مقعد من المقاعد وجلس عليه يتنفس الصعداء بخنق وقد شعر للتو أنه أخطأ عندما اختار المكان وهو يعلم أنه لديه ذكريات مؤلمة لا يريد حتى تذكرها وقبل أن تقترب منه وتسأله عن سبب تغيره المفاجئ ارتفع صوت رنين هاتفه فأجاب وقد كان الطعام فخرج ليستلمه وعاد لها بعد دقائق فأخذته من يده وسألته عن مكان المطبخ فدلها عليه بإشارة يده وذهبت هي لتضع الطعام في الصحون أما هو فنزع سترته عنه ورفع القماش عن الأريكة الكبيرة ليتسطح بجسده عليها مغمضا عيناه في محاولة بائسة لاستبعاد هذه الذكريات عن ذهنه كانت تنقل الصحون من المطبخ على طاولة الطعام بعد إن قامت بمسحها من أي اتربة فوقها وكانت مثبتة تركيزها عليه باستغراب من أمره حتى انتهت فهتفت في هدوء 
زين !!
فتح عيناه واعتدل جالسا ثم اتجه للحمام ليغسل وجهه ويديه و عاد لها جلس بجانبها على الطاولة وبدأ في تناول طعامه فخشيت هي أن تسأله فيجيب عليه بغلظة وفكرت في أن تمهد للأمر بطريقة مختلفة حيث سألت في ابتسامة عذبة 
بس البيت باين عليه أن حد بينضفه علطول
آه عمي حسين اللي برا بيجيب علطول ناس تنظف كل اسبوع عشان لو حد فينا جه فجأة زي كدا يكون البيت نضيف
التزمت الصمت للحظات ثم عادت تسأل من جديد بنبرة بها شيء من الحيرة 
بس إنت ليه جبتني هنا ومروحناش مطعم أو أي مكان تاني !
غمغم بصلابة دون أن يرفع نظره لها وهو منشغل بطعامه 
هنا أفضل في المطعم مش هتاخدي راحتك عشان النقاب واللي رايح وجاي قدامك مش هينفع تاكلي وأهو جبتك مكان جديد وجبتلك أكل المطعم لغاية عندك
حدجته بحنو وهمست بامتنان صادق بعد أن مدت يده لتضعها على كفه 
شكرا إنك مكسفتنيش ومكسرتش بنفسي لما طلبت منك نتغدى برا
نظر ليدها التي على كفه ثم رفع نظره لها بنظرات ثاقبة وسحب كفه ببطء من أسفل يدها بعد أن أبدى على وجهه علامات الضيق وقال باقتضاب 
العفو !
كانت الساعة قاربت على العاشرة مساءا عندما قرر كرم أن يذهب لوالدته ويضع حدا لكل شيء بعد أن شك بأنها تعرف مكان شفق ولا تخبره بالأخص بعد أن نفذت وعدها وقطعت الحديث معه نهائي وهاهي نجحت فيما سعت من أجله ! 
طرق على الباب عدة طرقات خفيفة هاتفا 
ماما إنتي صاحية 
اتاه صوتها وهي تجيبه بقوة 
ادخل ياكرم
فتح الباب ودخل ثم أغلق الباب خلفه مجددا فوجدها تمسك كتاب القرآن الكريم بيدها وجالسة على الفراش ليتنهد بعمق ويقترب ليجلس بجوارها على الفراش متمتما في نظرات ثابتة 
ماما إنتي عارفة مكان شفق مش كدا 
أطالت النظر في وجهه ثم اشاحت بنظرها وقالت بكذب 
لا معرفش
قال متوسلا إياها في نفاذ صبر 
ياماما ابوس إيدك قوليلي هي فين ومتتعبنيش أنا فيا اللي مكفيني ومش هستحمل البنت تحصلها حاجة بسببي قوليلي مكانها خليني اروح واجيبها
أبت الرد عليه وتجنبت النظر في وجهه كدليل على رفضها لطلبه ليأخذ هو نفسا عميقا قبل أن يلفظ بهذه الكلمات من بين شفتيه في عدم حيلة 
لو كنتي بتعملي ده كله عشان اوافق على اللي إنتي عايزاه فأنا بقولك أهو أنا موافق اتجوزها
لمعت عيناها بمجرد سماعها لكلمة موافق وطالعته بدهشة ممزوجة بالسعادة والابتسامة العريضة
وسرعان ما هتفت بفرحة غامرة 
بجد
موافق ياكرم !!
أيوة موافق قوليلي بقى هي قاعدة فين
قالها بإيجاز
كالذي لا يريد أن يطيل في هذا الحديث لتبتسم هي وتهتف بهدوء 
في البيت اللي في اكتوبر
وهي إيه اللي وداها هناك !!
تنهدت بحرارة ثم بدأت
 

تم نسخ الرابط