صړخة على الطريق بقلم ديفنا عمر

موقع أيام نيوز


قلبي.. جسار حفيدي اللي كبر كل دقيقة قصاد عيني وكأنه من صلبي وأكتر.. جسار كان بار بيا أكتر منكم.. أنتوا كنتم فين عايشين في دولة تانية والسنة بتجر غيرها والعمر جري ومحدش فيكم قرر يتنازل عن شغله وحياته اللي بناها في الغربة وأنا سكت وقلت أهو ربنا عوضني بجسار في حياتي.. وبعد كل ده جايين تدورا علي حقكم في أملاكي خلاص هو ده بس اللي بقي يجمعنا الفلوس الورث 

عمي أنا.. 
أوقفها بأشارة صارمة من كفه قلت محدش يقاطعني. 
لجمها تحذيره بينما ارتسم الخزي علي وجه توفيق وهو ينظر لأبيه كأنه لم ينتبه لجفاءه سوي الآن..
ومع كده أنا عارف شرع ربنا كويس يا مرات ابني..هكتب لكل واحد فيكم اللي يستحقه وأولكم جسار ثم لفظ كلمته وهو ينظر لهما بقوة حفيدي.. ولو مش عجبكم حكمي مافيش قصادكم غير طريق واحد تردعوني به.. 
وصمت يرصدهما مليا قبل أن يستأنف حديثه 
تحجروا عليا.
رمقته إلهام پصدمة حقيقية بينما اتسعت عين توفيق بذهول حضرتك بتقول ايه 
بقدملكم الحل اللي ممكن يوقفني.. لو مش موافقين علي حكملي احجروا عليا واقفوا قصاد القاضي وقولوا اني خرفت وكبرت وبدي مالي للغريب وافضحوني..وقتها بس هتقدروا تمنعوني وتكسبوا ثروتي.
هرول يجثوا على ركبتبه ثم لثم قدم والده وهو يبكي لا عشت ولا كنت يوم ما افكر مجرد تفكير اني اعمل كده فيك يا بابا.. كنوز الدنيا كلها ماتسواش رضاك عني.. ميراث ايه اللي يخليني اقف قصادك وامنعك من حقك في مالك.. أنا مش عايز حاجة غير انك ترضي عني وتسامحني اني اتلهيت في غربتي ونسيتك.. سامحني يا بابا ومتغضبش عليا ابوس رجلك أنا ممكن اموت فيها لو
ڠضبت عليا..
ارتعشت كف ابيه وانهمرت دموعه وهو يجذب ابنه ليعانقه بأقصي ما استطاع من قوة وهو يقول بانفعال باكي لو أخدت كل مالي ومهما عملت مقدرش اغضب عليك يا ابني.. ده انت اللي طلعت بيه من الدنيا.. أنا بس مش عايز بعد العمر ده كله أظلم اليتيم اللي ربيته..وفي نفس الوقت مش هاجي علي حد فيكم.. 
ولو جيت يا بابا مش هعترض.. 
ثم رمق زوجته بقسۏة ولا حد تاني يقدر يعترض.
ربت علي رأسه بحنان ربنا يبارك فيك يا توفيق.. رغم زعلي من بعادك في الغربة بس موقفك دلوقت خلاني أتأكد إنك ابن أصول ومانسيتش تربيتي واللي غرسته فيك.. 
عمي ممكن تسمعني لو سمحت.
قالتها برجاء لكن لم يبدو علي الجد ترحيبا لها
وهو يعزف عنها فنهض توفيق قائلا بحسم اطلعي علي أوضتنا يا إلهام وأنا هحصلك.. 
بس أنا عايزة... 
قال صارخا بقولك اطلعي أوضتنا وأنا هحصلك..وكفاية اللي قولتيه وعملتيه..
بحثت بعيناه عن فرصة لتجادل كي تفيض بما تريد فأوقفها نظرته الرادعة مع عزوف وجه الجد عنها فسلمت لأمره مبتعدة تجر أذيال خيبتها بعد أن حصدت غضبهما معا. 
عاد ينظر لأبيه وغمغم باستعطاف عشان خاطري يا بابا اغفر لمراتي اللي عملته أنت عارف ان اللي دفعها تتصرف بالتهور ده حبها لرائف هي خاڤت تساوي ابننا بجسار.. لكن أنا هفهمها ومش هسمحلها تدخل تاني ده وعد..
قال بحزن مش قادر أنسى كسرة نفس جسار وصډمته والضياع اللي شوفته في عيونه قبل ما يسيبنا ويمشي..وياعالم هايجي امتى..متهيئلي مش هقدر اسامح إلهام غير لما جسار يرجعلي تاني وعيونه ترجع ليها ضحكتها..
أنا متأكد انه هيرجع زي ما حضرتك متعلق بيه هو كمان بيحبك لأنك ربيته وفي مقام جده فعلا.. هو بس محتاح يتوازن ويستوعب اللي عرفه. 
يارب يا توفيق.. يارب.. 
ثم تسائل باهتمام رائف فين عرف حاجة 
لأ.. لحسن الحظ انه نايم من امبارح من الإجهاد وكل ده حصل بالليل متأخر.. 
طب بلاش تعرفه حاجة دلوقت. 
من غير ماتقول يا بابا ماكنتش هقول.. 
بس مراتك ممكن.. 
نهض والتمعت عينه بحدة إلهام مش هتعمل مشاكل تاني..عن إذن حضرتك. 
وغادره ليضع معها النقاط فوق حروفها لن يسمح لها أن تتسبب بخسارة أبيه بعد هذا العمر.
ولج إليها ووجه لا يعكس خيرا فتقدمت تسبق قوله بدفاع مبرر توفيق أنا مقصدتش إن الموضوع ياخد الصورة دي أو اني ازعل عمي بس.. 
بس ايه ها 
هكذا قاطعها ليواصل مش قولتلك ماتدخليش أرتاحتي دلوقتي أما كسرتي خاطر شاب يتيم كام مرة قولتلك بابا بيحبه وبيعتبره حفيده خۏفتي يشارك ابننا في الميراث طب وافرضي هو بابا عنده شوية ولا أنا وانتي عندنا قليل أحنا عملنا في غربتنا ثروة تخلينا مانحتاجش من حد حاجة حتي بابا.. ليه نبشتي الماضي وظهرتيه بالقسۏة دي ليه.. أنا ابويا يقولنا احجروا عليا أنا ابويا يحزن كده بسببك لو جسار هيرجع لابويا الفرحة تاني أنا اللي هرجعه بإيدي يا إلهام والميراث أخر همي..
هدرت عليه بعد أن فاض الكيل أنت ليه محسسني اني الساحرة الشريرة في الموضوع هو انا عملت ده كله ليه مش عشان ابننا 
وابننا مش محتاج. 
وعشان مش محتاج اسيب غريب يقاسمه في حقه ده حتي مايرضيش ربنا وشرعه يا توفيق. 
لكن يرضي ربنا اغضب ابويا واقف قصاده.. صح يا ألهام مش ده اللي انتي كنتي عايزاه
لا طبعا أنا كنت عايزة بس افكره ان حفيده الحقيقي هو أولى وأحق.. وجسار في كل الأحوال كان هايجي يوم ويعرف حقيقته.. 
بس مش بالطريقة القاسېة دي
وأيش عرفني انه هينزل في نفس الوقت ويسمع كلامي.. 
والله لو أنا مكانه بعد التلميحات اللي انتي خرفتي بيها إن رائف هو اللي شبه جده وان جسار فاشل.. طبيعي شكه يكبر مش ينام غير اما افهم.
صمتت دون رد متيقنه من منطقية ما يقوله وإن ظلت داخلها لا تري أنها مخطئة.. 
أسمعي مني الكلمتين دول يا إلهام وافهميهم.. أولا أي حاجة تريح بابا أنا هوافق عليها مهما كانت ومش هسمحلك تعملي مشاكل بيني وبينه لكن اطمني والدي يعرف ربنا وشرعه زي ما قولتي وهيكتب لجسار المناسب من أملاكه من غير ما يجي على
حقي أنا وابني..وثانيا أنا أخدت قرار نهائي مش هرجع فيه وانتي عليكي توافقي أو ترفضيه براحتك.. 
رمقته بريبة بواصل أنا مش هتغرب تاني واسيب بابا انا ورائف كفاية اوي العمر اللي عدى وانا مش جمبه واللي كان مراعيه ومونسه هو اليتيم اللي انت قومتي الدنيا عليه.. لكن دلوقت خلاص جسار أكيد مش هيعيش هنا تاني بعد اللي حصل وأنا مش هسيب والدي للحزن والوحدة واسافر.. لأ.. هفضل هنا أبره واخد بالي منه واهون عليه.. 
طب وشغلنا وحياتنا اللي كلها هناك 
لو عايزة ترجعي للغربة ارجعيها مش همنعك 
أشارت لصدرها باستنكار لوحدي أرجع لوحدي يا توفيق أنت بتطردني من حياتك
لا يا إلهام أنا بخيرك بينا وبين حياة الغربة وفلوسها اللي سحبت مننا العمر من غير ما نحس وبعدين اخواتك وولادهم وخالك هناك يعني تقريبا أهلك معاكي.. ممكن تروحي وتنزلي هنا أجازات كل سنة.. 
دمعت عيناها بذهول بالبساطة دي بتستغنى عني خلاص كرهتني عشان قلت كلمة حق.. 
لتاني مرة بقولك اني بخيرك.. القرار في ايدك.. بس لازم تعرفي حاجة أخيرة.. لو فضلتي هنا لازم ترجعي علاقتك بوالدي وتكسبي رضاه عليكي تاني.. وإلا هيفضل بيني وبينك شرخ كبير..
خطي خطوتان نحو باب الغرف ثم توقف ليقول قبل أنا يغادر قدامك فرصة لحد ما الأجازة تخلص عشان تقرري.. هتفضلي ولا هترجعي لغربتك من غيرنا وتزودي رصيد حسابك في البنك..
تراخى جسدها علي طرف الفراش مټألمة من قراره.. مجرد
تفكيره أن يفترق عنها بهذه السهولة زرع في قلبها غصة تحجرت داخلها وشعرت أن أنفاسها تضيق. 
سيجرد نفسه من كل شيء هذا ما فاض به تفكيره الساعات الماضية لم يعد يستحق شيئا من تلك العائلة زهد كل ما يملكونه المسكن الراقي سيارته الفارهة مكتبه الفخم رصيده البنكي المتاح له دون حساب النفوذ بلقب عائلة لا تجري دمائها في عروقهكل شيء هان عليه وبخست قيمته..لم يعد هذا الملكوت يساوي عناق يجمعه بأبيه الحقيقي.. بشقيقه إن كان له أشقاء..هدفه وحلمه الآن لم يعد أن يصدح أسمه عاليه في أروقة المحاكم..وهو ليس أسمه من الأساسا..ليس جسار..بل مجدر شريد يتسكع علي أرصفة مغبرة بالشتات يبحث عن بداية جديدة لحياته تناسب شخصا أكتشف لتوه
أن ماضية مجهول وحاضره ضائع ومستقبله سراب
ربما لا يعرف أين ستكون وجهته لكن يكفي أن يأخذ قراره.. والبقية سيتركها بين يدي الرحمن..
التقط سلسال مفاتيحه الكثيرة وتأملها برهة ثم توجه ليغادر حيث الرجل الذي آواه ليعلم قراره.. 
ضغط ذر المصعد ووقف ينتظر وصوله بشرود طفيف ليتفاجأ به يشرع ويطل منه رجلا وقور الهيئة.. تعرف عليه جسار علي الفور وهو يغمغم بدهشة 
أمين بيه 
مشط الرجل هيئته الغير منظمة سريعا وقال 
واضح اني جيت في وقت مش مناسب وكان لازم اخلي سارة تاخد منك معاد.. 
تمالك جسار نفسه سريعا ورد قائلا لا ازاي حضرتك تشرف في اي وقت اتفضل.. 
واستدار يفتح باب مكتبه ثانيا وهو يدعوه للدخول.
أعد له قدحا من الشاي وقال معلش محدش موجود هنا كله أجازة..غمغم أمين ولا يهمك وتسلم ايدك.. وأسف مرة تانية اني عطلتك.
ابتسم جسار
رغم ما يخفيه وقال مش هيجرى حاجة لو أجلت نزولي شوية.. واستطرد بعملية أنا تحت أمر حضرتك في اللي جاي عشانه يا أمين بيه..
حاصره الرجل بنظرة ثاقبة طالت قليلا قبل أن يفيض بما جاء من أجله عايزك مستشار قانوني للشركة بتاعتي.
صدم جسار من عرضه المباغت وفي هذا التوقيت من دقائق معدودة لم يكن يدري كيف سيبدأ من جديد طريقه بعد أن قرر التخلي عن كل ما يملك للجد ليكون الله رحيما به ويرزقه بعمل أخر وبسرعة لم يستوعبها بعد.
هسيبك وقت تفكر..بس عايزك تطمن أن المرتب هيكون مجزي جدا..
موافق..
أعلنها واضحة دون مراوغة العرض بكل المقايس فرصة لرجل كاد أن يتسكع في الطرقات دون عمل أو مآوى.. أما أمين فلمعت عينه بعد أن حصل علي بغيته من تلك الزيارة..سيضع ذاك الشاب تحت مجهره مادام الأمر يخص قلب ابنته سارة ولمس تعلقها به بعد أن سمع جزء من حوارها مع شمس.. فليختبره ويراقبه ليحكم عليه عن قرب.. ولم يكن ليحدث هذا لولا صنع جسرا للتعامل المهني المشترك بينهما.. ولكل حاډث حديث لاحقا.. 
على الطريق 
بقلم ډفنا عمر
الفصل السادس
وقف بسيارته أمام بوابة الفيلا التي كانت مآواه طيلة حياته.. بينما الآن أصبح مجرد غريب يطرق بابها الموصد ويستأذن لمقابلة الجد تجاهل دهشة الحارس من طلبه وغاب لحظات ثم عاد ليبلغه بالدخول أو هكذا ظن قبل أن يجد من يهرول عليه بلهفة واضحة رغم عمره ويسحبه بعناق جارف كاد يعتصره وهو يبكي..لم تطاوعه ذراعيه ألا يرد العناق بمثله.. حاوط جسار جده بحب حقيقي لم ولن ينضب داخله فإن كڈب كل شيء لن ېكذب عاطفة هذا العجوز الطيب الذي رباه كأنه من نسله..وحنانه الذي غمره به..إن خسر
 

تم نسخ الرابط