رواية جوهرة بين اغلال الشيطان بقلم مني ابو اليزيد
المحتويات
في قصر واسع يسود من داخله اللون الأسود دهان أثاث وزخرفة جلس أصيل الشاذلي مشدود الوجه يراقب ملامح الجميع عندما اعتلت وجههم الصدمة بسبب ما طلبه تلك المرة الأولي التي يطلب بوجود فتاة داخل قصره نهض من مكانه بشموخ كبير دس يديه في جيب البنطلون ضيق عينيه السمراء التي يكسوها الحزن هتف بنبرة هزت جدران القصر
تنحنح أحداهما پخوف ملحوظ أراد التحدث ليظهر اعتراضه على طلبه فهمس بخفوت
حضرتك البنت دي معروفة أنها بترفض شغل خارج المطعم على الرغم من احتياجها للفلوس عشان علاج والدها
ثبت بصره على نقطة ما غارق عقله في طريقة ما تجعلها توافق حك أسفل ذقنه بحيرة ظاهرة حتى تبدد حاله حين عثر على الفكرة رقص قلبه طربا وقال بحماس
وبالفعل نفذ أحداهما الطلب أخذ رقم بلهفة فتح الهاتف المحمول الخاص به ضغط على عدة أرقام بسرعة ثم هتف
الو
مين معايا
أصيل الشاذلي
النمرة غلط
يوه مش قولت الرقم غلط
عايزك تشتغلي عندي
نعم
في إيه محتاج شيف في قصري
سوري مش بشتغل عند حد أنا بشتغل في المطعم وبس
مرتب 10000 جنيه وقابل للزيادة فكري كويس
بابا يا بابا
ترك سعد الجريدة التي يقرأها كعادته يوميا أشار لها بالولوج للداخل خاصة على المقعد المجاور له وقال بنبرة رسمية بنظرات عادية
تعالي يا جوهرة أقعدي
أومأت رأسها بالموافقة حركت قدميها للأمام بالفعل جلست على المقعد المجاور له زادت سرعة نبضات قلبها وتمتمت قبل أن تتفوه
شبك يديه لبعضهما البعض ثبت بصره عليها منتظر أن يسمع منها ما تريد قوله لكي يعود لقراءة الجريدة مرة أخرى نفخ من الضيق ثم قال بنفاذ صبر
أنجزي يا جوهرة
أخرجت نفس طويل قدر ما تحمله من حيرة وقالت بحماس
أنا أتعرض عليا شغل بمبلغ 10000
ربت على كتفها ببرود واضح كأنها لم يستمع جيدا ما قالته في التو ردد
رفعت حاجبيها لأعلى باندهاش واضح لم تتوقع رد فعله بهذا الشكل كانت تظن أن ملامح فرحة في حالة القبول وحزن في حالة الرفض لم تأخذ منه سوي الخذلان وقلة فرحتها بالمبلغ التي سړقت منها في لحظة فعادت تقول مرة أخرى
بقولك أنا أتعرض عليا شغل بمبلغ 10000 أنت سامعني
نهض من مكانه حملق بعينيها السمراء الضيقة على مضض في عينيها البنية الواسعة التي ورثتها من والدتها رحمة الله عليها وقال بصرامة
صعقټ بشدة كلماته كالخڼجر يطعن قلبها ببرود لكي ټموت قتيلة بعد ما أحلامها الوردية لكي تعالجه وتجلب ما تريد فقالت بذهول
يعني إيه يا بابا أنت تقصد إيه
علت ضحكاته الممزوجة بتهكم على حديث أبنته التي لم تفهم مقصده سرعان ما تحولت لعبوس جديد وقال بحصره
الشغل يعارض ربنا ما هو مفيش شغل بالمبلغ ده
قفزت على الأرضية بقدميها تعرض اعترضها على حديثه فصاحت عاليا
أنت بتشك فيا
أشار عليها پغضب شديد قائلا
لا زعلان عشان المبلغ أغراكي وخلاكي تنسي ربنا
أنا أسفة يا بابا بس هشتغل طباخة في قصر
يبقي تعرفي هتباتي هناك أو لا
تنهد بحزن عندما تذكر ما حدث لحفيده منذ بضع أشهر أصبح ملقب بالمظلم بعد تعمده تحول حياته إلي اللون الأسود استحوذت عينيه باللمعة عندما جاء في ذهنه في فكرة ما صاح عاليا على الخادمة التي تنظف الطاولة
تعالي هنا بسرعة
اها يا باشا هي عملت حاجة لسيدتك هي شعنونة وشقية بس والله طيبة
شعر بانتصار لحديثها هز رأسه بالنفي و قال باعتراض
لا بس كنت عايز عنوان بيتها عشان أقنعها تشتغل
لوحت يدها في عدم رضا ناظرة للأسفل بأسف و قالت بتردد
بس هي بترفض عشان والدها تعبان بتحب تكون جنبه
حرك يده لكي يشرح لها ثم قال بهدوء
متقليش أديني عنوانها وخلاص
وصل محمد الشاذلي إلي أحد البنايات القديمة ترجل من السيارة رافع عينيه إلي البناية البيت متهالك إلي حد ما جدرانه ملونة زهت الأوان عينيه بأمل كبير لعل تلك الفتاة تبدد حال حفيده الذي أصح السواد يحوطه من كل اتجاه
أغلق الهاتف المحمول دون كلمة ارتسمت ابتسامة نصر على ثغره اقترب يحقق حلمه ففرشت السعادة داخل قلبه وحدث نفسه
أوعدك يا أصلان إن حياتك هتتغير وأنا هساعدك
عدل ملابسه مستعد للدخول عند اقترابه من الباب لمس جيب البنطلون من الخارج تأكد من وجود شيء ما ثم طرق الباب بقلق زاهي على ملامح وجهه فتح له الباب فتاة ترتدي إسدال صلاة يغطها شعرها لا يظهر منها سوي ملامحها الهادئة التي تجذب من يراها أشار بيده عليه بابتسامة قائلا
جوهرة
أومأت رأسها بالموافقة على حديثه بملامحي تعتلي الحيرة والأسئلة لذلك قالت متسائلة
اها أنا جوهرة مين
محمد الشاذلي جد أصيل الشاذلي
سلطت مقلتيها عليه بعد ما اخترقت أذنيه اسمهعيناها مليئة بشغف منتظراه أن يظهر باقي حديثه لم تجد أي رد سوء كلمات خذلتها كأنه لسعت من عقرب سعت عينيها بالصدمة
أنا عايز أشوف والدك
تراجعت للخلف لكي تفسح له المكان وهي لا تعلم بمختطته لتلقي النداء على والدها پخوف بارز في كيانها الداخلي والخارجي زاد تعجبها أكثر بعد ما طلب محمد الشاذلي أنه تتركه معه بمفردهما
دام حوار بينهما كان الدهشة الخۏف الاطمئنان مسيطرين في الحديث بالترتيب حين انتهي هب محمد واقفا من مكانه رمقه بنظرات اطمئنان لتفهمه ما يريد
نفخ سعد من العبوس والقلق
ليبلغ بنته ما يريده أن تنفذه وقف أمامها مباشرة وقال بإصرار
هسيبك تشتغلي عند اللي اسمه أصيل بس هتباتي وأنا معاكي
جزت على أسنانها من الغيظملامح وجهها تملأها الڠضب ثم هتفت
يعني إيه يا بابا أنت موافق ده أنت زعلتني من نفسي وقت ما قولتلك
ده خير يا بنتي وهتعرفي في الوقت المناسب من غير أسئلة كتير
لم يكن أمامها غير الطاعة استعدت لتغزو عالم المظلم عالم ملئ باللون الأسود والغبار يحوطه من كل اتجاه لا أحد يستطيع أن ينزعه
ارتطم طفل صغير بشاب كبير يبدو في بداية نهاية العقد الثالث من عمره طالعه الصغير بنظرات حزن لسبب سقوط بعض العملات المعدنية على الأرض كطفل صغير لا يعرف أن يخرج ما داخله سوي الصړاخ
يا مامااااااا
حدق حمزة عينيه عليه حين تراكمت بهما الاندهاش رفع حاجبيه لأعلى من التعجب ليس متزوج من قبل لكي يفهم تصرفات الأطفال فضل يعيش بقرب مجموعة من الأشخاص دون أن يسمح للأطفال بالاقتراب منه فقال متسائلا
إيه اللي حصل بس
وقفت الدنيا لديه حين رأي فتاة في منتصف العقد الثالث من عمرها تقترب من الطفل بهلع مسيطر على ملامح وجهها ظهر جانب أنثوي لا يفهمه الكثير وخاصة الرجال عاطفة الأمومة ظلت تسأل الطفل ما به بينما هو كان في دنيا أخرى لم ينتبه إلي جمالها الهادئ الرقيق وعينيها البريئتين شرد فيها بخياله بأنه يراها تبث حنان من نوع آخر يحتاجها لتبادله إحساس بالفقد الذي حرم منه لسنوات طوال عاد إلي الواقع الذي أصبح يسوده الألم عندما ألقت عليه كلمات كالخناجر الطاعنة حين تأكد أن الحنان لا يعطي إلا لأبنه فقط
أنت عملت إيه لأبني عشان يعيط
معملتش حاجة هو خبط فيا
عقد مرفقيه بثقة لكي يثبت لها أنه لم يفعل شيء خاطئ وجدها تريد تطلق للسانها العنان بحرية باغتها حين وضع كف يده أمام وجهها لكي تكف عن الحديث قال بسخط
بصي بقي أنا معملتش حاجة لأبنك أهو عندك اسأليه بعد لما أمشي يمكن يقولك عن أذنك
أحكيلي يا يحيي إيه اللي حصل
أجاب عليه پبكاء
الفلوس وقعت مني
جففت عبراته المنسدلة على وجنتيه برفق ارتسمت ابتسامة على ثغره قائلة باطمئنان
ولا يهمك يا حبيبي هديك غيره
وقت كالتمثال عينيه ثبتت على نقطة ما حاولت تحدثه مرات كثيرة لكنه لا يبالي اهتمام لها اضطرت أن تنظر مكان ما يطل بعينيه شهقت بصوت منخفض على الرغم أن داخلها ثورة خوف تستطيع أن تكفي العالم رأت طليقها أمامها بل الشيطان على شكل إنسان حاولت النظر بعيد عنه عندما نظر لها بعينيها المشټعلة بالڠضب بدأت تخطو مع أبنها بعيد عنه حتى تتفادى سواده
اتفقت جوهرة مع أصيل أن تذهب إلي القصر ليتم الاتفاق بينهما بسبب عمله المستمر ها هي وصلت إلي القصر دون أن تعرف عن المظلم شيء لفت انتباهه
لون
الأسود
المرصع على جدران القصر مرت من أمام طاولة بالكراسي مصفوفة حولها وسط حديقة القصر
كانت باللون الأسود كست تعبيرات وجهها بالاندهاش ثم حدثت نفسها
هو مش بيحب غير اللون الأسود ده شخص غريب
سمع سعد صوتها وهي تتحدث دون أن يفهم معني كلماتها نظر إليها بأعين تتفحصها قائلا
بتقولي حاجة يا جوهرة
نجح في انتشالها لتعود
مفيش حاجة متشغلش بالك
بعد خطوات قليلة كانت داخل القصر الذي يحوطه اللون الأسود تنتظر أصلان رائحة كاتمة تطير في المكان اعتقدت أن لا أحد يفتح شبابيك القصر منذ فترة طويلة حقا هي الحقيقة الشمس لا تدخل منذ بضعة أشهر هبت واقفة تتجه نحو النافذة سحبت الستار بحماس لا تعرف مصدره أخذت نفس عميق وزفرته مرة أخرى مع ابتسامة غزوت فمها سرعان ما تلاشت الابتسامة لتتحول إلي عبوس مع انقباض حاجبيه وفرش ملامح وجهها بالخۏف حين سمعته يقول
أنت أتجننت بتفتحي الشبابيك عشان يدخل النور المكان وأنت جاية تشتغلي عند المظلم
أنت مضايق ليه ريحة الفيلا مكمكمة حاجة تخنق
كاد أصيل أن يرد عليها سرعان ما تذكر أنه بحاجة إليها خرجت تنهيدة منه بقدر ما يحمله من غضبه خفي إعلانه حدق مقلتيها بغطرسة لأنه صاحب القصر يحكم ويؤمر ثم ردد بنبرة أمر
بم أنك هتشتغلي هنا لأزم تعرفي قواعد البيت وتتنفذ بدون مناقشة
قوس فمها بابتسامة عارمة تدل على سخريتها من حديثه كانت كالطفلة الصغيرة تتحدث بعفوية دون حساب للقواعد فقالت بسخرية
أنفذ مرة واحدة وليه إن شاء الله
اقترب وجهه منها ليتصافح جزء من هواء أنفاسه وجهها بنظرات مليئة بالثقة هدر
أنت جاية تشتغلي عندي يبقي تلتزمي باللي بقوله
ثقة راجع لتأكيدها ما سوف تقوله هو الحقيقة
ما أنت اللي طلبتني أشتغل عندك
أشار بسبابته اتجاهه صاح بصوت صاخب
وأنت وفقت على طلب يبقي تنفذي القواعد
كانت المناوشة بينهما حادة قطع كل ما يحدث تدخل سعد قائلا
ما خلاص انتوا الاتنين لازم تتفقوا يا متتقفوش
هز رأسه بحركة دائرية بتلقائية رفع حاجبيه لأعلى من شدة التعجب الذي احتل كيانه حين شاهده لم يكن يعلم بوجوده فهتف متسائلا
أنت مين
أجابت عليه جوهرة بتحدي وهي تضغط على كل حرف
ده أبويا وهيفضل معايا لو
متابعة القراءة